التصنيفات
رؤى

حقيبة الأدوات

لكل مهنة أدواتها، والتعبير بحقيبة يأتي على نوعين:

  1. أن تكون حقيبة حقيقية.. ويراد بها الأدوات التي يحملها الطبيب، النجار، الميكانيكي، وغيرهم.
  2. أن تكون حقيبة مجازية.. وهي تعني في هذه الحالة المؤهلات التي يتمتع بها أصحاب المهن وتميزهم، كالدقة في الساعاتي، والقدر على التحليل عند الاقتصاد.

من مميزات الحقائب المهنية الآتي:

– الوجود والخصوصية.. فلا بد من وجودها سواء المحسوس منها أو المعنوي، فلكل صاحب مهنة أدواته التي ترافقه، بل قد يتطور الأمر ليكون له حقيبة خاصة لايسمح لزملائه بالاستفادة منها، وذلك لضمان الجودة والسلامة والعناية وغير ذلك.

– التقدير والسمت.. فبدون هذه الأدوات لايستطيع الفرد أن يمارس مهنته، ونجد كل مهنة تعرف أنواع الأدوات فتختار أجودها، وتتأكد من المصنعين والمواصفات. ولا يتطاول أصحاب مهنة على أخرى، لينتقص من
أدواته، فلم نر طبيبياً يعيب على كهربائي أنه يحمل أسلاكه معه، ولم نشاهد مهندساً يستهزئ على طاولة الخباز. بل يترك الأمر لكل إنسان ليحدد محتويات حقيبته، وإذا لزم الأمر اتصل المتضرر بأصحاب الاختصاص، ونقده ثمن الخدمة التي يقدمها.

– التصنيف والترتيب.. فلكل أداة مكانها في الحقيبة، ولكل أداة مواصفاتها في العمل والتصنيف.

أمر واحد اختلط على الكثير من الناس وأصبح أصحابه يعانون من تدخلات الآخرين فيه، وهو العلم الشرعي والفتوى، فالبعض لم يراع ضرورة توفر الأدوات الشرعية.. ومنها على سبيل المثال:

1. العلم بالعقيدة ومعرفة التوحيد وتجنب الشرك ومنها الآتي:

  • معرفة الله سبحانه وتعالى وأسماء وصفاته، والفرق بين الألوهية والربوبية، وما يترتب على
    ذلك.
  • معرفة الأنبياء وحياتهم، ودعواتهم، ومايحتاج إليه.
  • معرفةاليوم الآخر والجنة والنار والبرزخ والحياة الآخرة بشكل عام.

2. العلم بالقرآن الكريم من حيث:

  • حفظه واتقانه.
  • معرفة أحكام تفسيره وأشهر مفسريه، ومناهج التفسير، وأثر ذلك على الحكم الشرعي.

3. العلم بالحديث النبوي من الناحيتين:

  • الأولى: نص الحديث واتقان حفظه.
  • الثانية: العلم بالمصطلح، ومعرفة رجاله وأحوالهم ودرجاته، وأحكامه، وثبوته، والعلم.

4. العلم بالفقه وأصوله والاستنباط والقدرة عليه، والربط بين المختلف، والاختلاف في الأحوال والأحكام.

5. العلم بالعلوم المكملة، كالتاريخ، والرجال، والدول، وماوجد فيها من بدعة، والحركات الهدامة وتواريخها، وارتباطها ونشاطها، ورجالها.

وغير ذلك من الأدوات الشرعية.. هل نتصور أن هذه الأدوات سهلة؟ عن نفسي لا اعتقد، وبالرغم من تخصصي في العلوم الإنسانية، ثم في العلوم الإدارية، وبالرغم من كوني طالب دراسات عليا، إلا أنني لازلت أتمنى أن أتمكن من دراسة العلوم الشرعية واتقانها، وذلك لتشعبها وصعوبة وحاجة الإنسان إلى
قوة حفظ واستحضار ذهن ليتمكن من استخدام الأدوات المناسبة اللأحداث.

البعض قد لايشعر بحجم الأمر، ولكن التصدي للفتوى والعمل عليها ومتابعة حديث للتثبت من رجاله ومعرفة صحته أمر فيه مشقة لاتقل عن دراسة تخصص علمي والسهر للتعرف على خواص كائن في المحيط.

لكل تخصصه، ولكل إمكانياته، ولذلك أؤمن أن الفتوى ليست من حق إعلامي يجهل أبسط الأمور الشرعية مما يقام به الدين، وليست من حق طالب علم تخرج من كلية الشريعة مكتفياً بما درسه، متخيلاً أن في ذلك كفاية فلم يتحمل طلب المزيد.

وليست من حق من عرف بالفساد والانحلال، والبحث عن فتوى تحقق رغبته الشخصية فيأخذ من عالم هنا، وعالم هناك، ويضرب الأقوال ببعضها، ليخرج برخصة تبيح له كل مايريد ولو كان في ذلك الحرام أو مقاربته.

بل من حق أئمة العلم، اللذين عرفوا بالصلاح في سيرهم، والجد في طلبهم للعلم، والدين وصحة المعتقد في تعبدهم. والثبات في نصحهم وجهادهم.

حقيبة الأدوات ليست حكراً على أصحاب المهن، بل هي لجميع التخصصات. وكما نتعامل بتقدير مع مفك، أو منشار، فلابد أن نفهم معنى أن نقول على الله بغير علم، أو نتأول بجهل كلام الله وكلام رسوله صلى الله
عليه وسلم.

لله العلم وأهله، غفر الله لهم، وكتب لهم الأجر على مايلاقونه من ضعاف النفوس ممن يريدون الدنيا على حساب الآخرة، أو ممن جهلوا وظنوا أن مالديهم من علم يكفي للوقوف أمام طوفان المتغيرات. ورحم الله
أمةً ابتليت بهولاء.

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)