التصنيفات
رسائل إلى نفسي

جبال ورمال..

16/5/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 7:00 مساءً

ليس بسر محبتي للحياة البرية البسيطة، محبتي لليل، والغنم، والهدوء، والكلمة الطيبة والشعر على وجه الخصوص.. المدنية تأكل قلوبنا، تتسع المدن على حساب أصالة وبيئة سليمة، تماماً كما تتسع مساحات التأثير في قلوبنا حتى لايبقى من صفائها إلا مساحات متناثرة طالتها يد التغيير والترميم.

كنت بالأمس أحب الجبال وأرى نفسي صقراً في سمائها، اليوم أضفت لحبها حب رمال الدهناء، الكثبان الحمراء المتكسرة والمتكونة هنا وهناك في مساحات شاسعة لا نهاية لها، أراقب مرور الرياح على صفحتها الذهبية حاملة ذرات من رمالها مداعبة لوجهي وناقرة على مقدمة سيارتي. كلما زادت الرمال زاد الحنين لهذه الأرض، لذلك لايخرج منها أهلها، ومن خرج سيعود إليها، لأنها تحتوينا بنعومتها، عكس الجبال التي تربينا بقسوتها فنتفلت منها حين نكبر.

نقبض على ذرات الرمل ونراقب تساقط حبيباتها بهدوء، بينما تتمزق أصابعنا وهي تتشبث بالصخور، نأنس بليل الصحراء بينما نهاب ليل الجبال، المساحات المفتوحة تشعرنا بالسكينة، بينما تتحفز أرواحنا لحركة كل شجرة وظل كل صخرة.

المدن تقتل إحساس السكينة والتوثب، نعود ممزقين من طعنات اليوم لنتجرع سموم التكييف والغرف الضيقة، اللون اخضر والأصفر ليس سوى خربشات تشكيلية في لوحة فاسدة، أفسدت ذائقتنا. سكون الليل، ونشاط الفجر، وحركة الحياة من حولنا تتغير في المدن.. يحل مكانها صخب الليل وموت النهار وسوء الطباع وتوتر الأخلاق.

درجات الألوان في الطبيعة لاتقارن بأذواق الألوان الصارخة في المدن من حولنا، حتى القيود ملونة بألوان مستوردة لاتمثل ثقافتنا، لاأعرف الأسماء ولا الصور، أسير في الشوارع أسيراً لخطوطها البيضاء والصفراء وإشارات المرور وسيارات ساهر المنشترة على جانب الطرق، أتوقف أحياناً لأستلقي على الرمل وأغمض عيني، ولكن صخب الشاحنات ينتزعني من المكان ليطوح بي في الهواء كريشة مزقتها الرياح ومزقتها الكواسر من جناح عصفور ضعيف.

أجمع شتاتي وأعود لسيارتي استبدل الأصفر الذهبي بالأسود الممزوج بعرق العمال وتعبهم، ويومية لاتكاد تكسوهم ثياباً نظيفة.. وأتطلع لكل ناقة تقف تراقبنا وأفكر، هل تبكي لنا؟ أم تتعجب لصمتنا وبقائنا في القيود السود الممتدة من روح إلى روح.

وأنتظر الليل بفارغ الصبر.. لاأنس لي في المدن، على الأقل بقدوم الليل ينتهي يوم من عمري، وأنتظر التحرر القريب.

(الصورة بعدسة: عبدالله البلوي)