التصنيفات
رؤى

الشطرنج

في الرقعة ستة عشر بيدقاً..

في الرقعة أربعة وستون مربعاً..

نظل نتحرك في كل الاتجاهات وبشتى الصور.. نجوب مربعات الرقعة كلها..

لماذا ؟

لكي ننتصر..

حياتنا هذه صورة مكبرة للرقعة.. الطاقات العاملة هنا وهنا.. والأماكن التي نتحرك من خلالها.. ونوعاً من التشابه في الحركة المدروسة غالباً.. أو العشوائية أحياناً.. مع وجود احتمالات الخسارة عند الحركة، والحركة مع العلم بوجود الخسارة، والخسارة الاضطرارية أو الخسارة لتحقيق مكاسب أكثر، أو الخسارة مع عدم فقدان شي من البيادق، كل هذه صور من التشابه.

ومع كل الحركة، وأنواع التخطيط الذي نقوم به أثناء اللعب يخرج المنتصر دائماً بنفس النتيجة.. امتلاك بعض مربعات الرقعة.. لا يقل مكسبه عن مربع، ولا يزيد أبداً عن ستة عشر مربعاً.. إذاً لماذا التعب؟. التعب في اللعبة كلعبة مطلوب لأنه دلالة تميز، ولكن التعب في الحياة لماذا إن لم يكن من أجل التميز؟

لابد من العمل والسعي لتثبيت النفس في الأماكن الصحيحة.. هذه الأماكن التي هي مجالات الحياة كلها.. العبادات والمعاملات، بشتى صورها ومختلف أشكالها.

رغباتنا كلها هي مربعات هذه الرقعة.. البيت والأسرة، الوظيفة، الأملاك من معمار وغيره، التعليم وتربية الأبناء، ومن ضمن المربعات المستويات الإيمانية المختلفة، الهموم للدين والأمة، والهموم المتنوعة التي لا يسلم منها إنسان.

لماذا نهتم لما يصيبنا؟.. ألسنا ضمن الرقعة لم نخرج منها؟.. أليست أقدار الله نافذة فينا؟.. إذا لماذا الهم؟.. هذا الأمر الذي يؤرقني كم يشغل في الحقيقة من رقعة الشطرنج، كم خانة أخذ من حياتي، وكم هي حقيقته.. بمعنى كم يستحق فعلاً منها؟.. لماذا ننظر أحياناً على أن الرقعة ليست سوى مربع واحد فقط، ومربع أسود.. مع أن الرقعة لازالت أربعة وستون مربعاً.. ومشكلتي هذه ليست سوى مربع واحد منها.

هل هذا المربع الأسود الذي غطى على اثنان وثلاثون مربعاً أبيضاً يستحق أن يحرمني السعادة الموجودة في المربعات الأخرى.. رؤية أقاربي، نجاح وظيفي، تميز دراسي، روحانية وارتقاء تربوي، كلها غابت بسبب هم ربما يكون بسيط. وهل هذا المربع أياً كان يفوق همي لأمتي؟..

ومهما احترفنا اللعبة تظل خاناتنا ثابتة.. العدد لا يتغير إلا بالنقص.. وإنما هو التميز الذي نتحدث عنه، وتقليل الخسارة في العدد.. أي أننا لن نأخذ شيئاً من الرقعة التي هي حياتنا غير رزقنا من المربعات. كم نحرم أنفسنا، وكم ننسى، وكم نجهل، وفي النهاية تظل الرقعة أربعة وستون مربعاً وتظل البيادق مرصوصة عددها ستة عشر بيدقاً تتحرك ضمن مساحة لا تتعدى أربعة وستون مربعاً.. أمتلك منها في أفضل الحالات ستة عشر مربعاً فقط.

نصف الرقعة أفراح.. ونصفها أتراح متنوعة.. ويثبتنا في المسير ما غلب عسر يسرين.

 

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)