التصنيفات
رسائل إلى نفسي

حداثة..

29/5/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 12:29 صباحاً

لا أحب الغموض في التعامل ولا في الكلام، حتى علم الفلسفة لا أحبه مالم أكن أعي معناه تماماً، بعض الناس يتفنن الغموض في كلامه، في كثير من الأوقات لا أراه سوى دلالة عيب وضعف في اللغة أو التعبير، العرب تعد الكلام الكثير عجزاً، فكيف لو شاهد أعرابي بعض شعراء اليوم وكتابهم؟! ماذا سيكون موقفه؟

البساطة في التعبير شي لم نألفه، حتى عدنا لانفهمه، نظل نبحث عن المعاني العميقة الخفية ونُأوّل الكلام حتى يضيع الجوهر، حتى نغير المواضيع، نحمل الكلام مالايحتمل فقط لأننا لم نتعود على المباشرة والوضوح. أحياناً يقول الإنسان كلمة تشبه كثيراً شعر الحداثة، ففي كل مرة أسمعها أو اقرؤها أظل اتسائل، ماذا يريد؟ وربما فهمتها بصورة مختلفة مرة بعد مرة. في الحقيقة لا أتهم فهمي فأنا بالجملة ذويق للغة ومحب لها.. ولكن يرمي الإنسان كلمة ثم يطالبني أن أفهم بطريقتي.. لماذا؟

في كثير من الأوقات أتجاهل هذا الطلب، وتكوّن لدي سلوك لامبالٍ تجاه من يحبون أن يظهورا بمظهر الغموض. حتى في الإدارة كتبت كثيراً عن وضوح المهام، وفوجئت حين ناقشت موظفة في جامعة من الجامعات ذكرت لي أن المهام تنفذ بفهم الموظف وليس بوضوح المهام، يعني لو تغير الموظف تتغير طريقة التنفيذ، وأعتقد أنها أخطأت في ذلك فلا يمكن أن يكون هذا الحال في الإدارة، مهما بلغ ضعف المدير. هناك سياسات ولوائح تحكم الأمور، ونتيجة عدم الفهم يظهر جيل يتلقى المهام بالوراثة.

سألت موظفاً يعمل في وظيفة منذ ثمان سنوات، هل قرأت توصيفك الوظيفي؟ قال لا. سألته وأنا متعجب وهل قرأت اللوائح؟ قال لا. قلت كيف تعمل؟ قال كما يعمل الآخرون. بالنسبة لي كإداري أفهم أن أخطاء الفريق تنتقل كالعدوى، حتى يفسد الجو تماماً.

لماذا نتكلف الكلام؟ لماذا نتكلف المشاعر؟ لماذا نتوقع أن الأسلوب المباشر البسيط هجوم علينا فننبري نبرر التصرفات؟ يحاول البعض منا أن يكون في خانة تبعده عن الملامة فيدور حول الموضوع ألف مرة على أمل أن يقوم أحد ممن حوله بتصرف يوجه أصابع الاتهام لناحية أخرى بعيداً عنه.

نحب أحياناً، ونتطفل، ونشتهي أشياء، ونصمت ونسأل الآخرين نريدهم أن يثيروا موضوعاً بإجابتهم فنشبع رغباتنا ونكون في الوقت نفسه في قمة البراءة حين يعاتب شخص أو نبحث عن متسبب في مشكلة. صورة من صور الهروب من الذات، بدأنا نكذب حتى على أنفسنا، نقف بجانب المرآة لنرى من حولنا ونوهم أنفسنا أننا لسنا هناك، لانستطيع أن نواجه حسن أو قبح ذواتنا.

لو أننا التفتنا بهدوء لأنفسنا لرأينا أن الحسن كثير وصور الجمال أكثر، ومانعتقده سلبياً ونتهرب منه سيكون صورة مكررة في نفوس الكثير وليس عيباً تفردنا به.. بل قد يكون اختياراً طبيعياً.

وبالرغم من كافة محاولاتي لم استطع.. وبالرغم من كثرة من حولي إلا أنني أعود لنفسي ثانية.. لو كانت نفسي تحدثي لسألتني كيف حالك؟ ولو سألتها لأجابت “نفسك”، إذاً هي تشعر بكل شي.

 

(الصورة بعدسة: Rutger Spoelstra)