التصنيفات
رؤى

شمس الأصيل

 الحياة تمضي كاليوم، تبدأ بالشروق، وتنتهي بالغروب، واليوم يمر بما تمر به الحياة من ظلام يشقه الفجر، ومن هجير يحرق القلوب والأرواح، ثم برود آخر، نسمات يأنس لها الإنسان المتعب خلال مسيرته، فصقيع يجمد العواطف.

الشمس في الصباح صغيرة، مضئية لامعة، كالشاب المنطلق المتقد حماساً، يرى كل شي فرصة ليشرق عليه ويلهبه بعزيمته، عكس شمس العصر التي هذبتها الحياة فخبت شعلتها واكتست اللون الأصفر واصبحت أكثر دفئاً وقرباً من الناس.

تبدو الشمس متعبة باهتة، من خلال خبرتها تعلمت أن تهب الناس دفئاً ونوراً، علمتها انكسارة الظهيرة كيف أن الأيام تدور، وأن الدنيا لا تدوم.

شمس العصر أشبه بالأم، تراقب أبنائها من خلال أستار الغيوم، ومن خلال الشفق، ثم تلقي في رحمة ردائها الأخير على الأرض التي تستعد لمواجهة الليل البارد، تصر أن تبقى معهم لآخر لحظة، حتى بعد سقوطها خلف الأفق.

الشباب لايتعلمون، ستشرق شمس الغد بنفس القسوة، مبهرة منطلقة تشق السماء، لاتعطي فرصة لأحد لكي يراقبها، بمجرد ارتفاعها تمارس قسوتها، بينما تعود ف يالمساء وهي صامتة، تراها تفكر فيما جنته طوال يومها؟ ترى هلهذه الغشاوة التي تكسوها بقايا دمع سكبته حين فهمت مافعلته؟

شمس العصر كالأم الكبيرة، تراقب أبنائها يعودون إلى منازلهم، تبتسم لأحفادها يجرون هنا وهناك، تضمهم في دفء لتشعرهم بالقوة، تتذكر أيام الصبا، كانت تحرقهم بسياطها، يجرون أمامها في كل مكان خوفاً من التأخير عن مدرسة ووظيفة، الظلال المنكسرة تشي بمشاعرها الممزقة، ستفارقهم بعد قليل.

تضعف الشمس حين تكبر، لم تعد تملك خاصية الإحراق والتبخير، يقف الغبار والسحاب الصغير حاجباً لها، كانت عنيفة في شبابها، تصليهم بلظاها لترفعهم لطبقات الجو الباردة قبل أن يسقطوا ثانية مشتتين على الطرقات، وتلبس في فخر تاجها الملون بألوان الانتصار.

وفي نهايتها تنزل الشمس لتكون بمستوى نظر الناس، قريبة منهم، يلامسها الأطفال بأصابعهم الرقيقة، قبل ساعات كانت متعالية لايستطيع أحد أن يرفع راسه ليراها، ولو حاول تحرق عينه فيغمضها في استسلام، مع الأيام نتعلم أن نكون متواضعين.

 

(الصورة بعدسة: سومار أحمد)

التصنيفات
قبور الياسمين

قافلة الجرحى

مشينا في الجبال.. إذا تعودت المشي لن تشعر بالتعب.. كنت أشعر بالتعب لو جلست.. رأيت الكل يبتسم برغم ألمه.. كل هذه الأوجه ودعتها فيما بعد.. كان أميرنا رحيماً يبتسم لألمنا وأشعر بمشاركته لهمنا.

بات طابع الرحلة غريباً.. تضحك على الإصابات، وتأنس بهذه القافلة المجروحة.. أتذكر وجه أحد الأنصار.. أصيب بضربة على وجهه فكسرت نظارته، وتورم أنفه.. كان يضحك على نفسه، كلما نظر في المرأة.. تورم وجهه أكثر فكان يبتسم مشيراً لأنفه.

للألم سعادة تفوق ذات الألم متى ما أمتزج الألم بالمبدأ.. تودع إخوانك فتألم لأنك تركتهم وتسعد لأنهم قضوا في الطريق.. تصاب فتألم وتفرح لأنها في سبيل الله.. ترحل فتفرح وتحزن، تألم لترك أرض الجهاد وتفرح لأنك لم تتورط في قتل أخيك.

عند المغيب لاحت لنا مدينة في الأفق.. دخلناها مع بداية الظلام.. توجهنا لبيت هناك.. كان واسعاً لم يكن بيتاً بقدر ما كان قلعة.. قالوا لنا أن هذه القلعة قاومت المعتدين كثيراً.. ارتحنا فيها وتناولنا طعاماً بسيطاً ونمنا.. لم نكن بحاجة للحراسة فقد تولى أصحاب القلعة الحراسة عنا واطمأن الأنصار.. وبالرغم من ذلك لم أستطع النوم. وأخيراً لاحت رايات المجاهدين.. بدأنا نكبر واستُقبل الجرحى بفرح.. أخذوهم إلى العيادة وذهب الأمير مع القيادة وبقيت أنتظر..

–        قيل لي: ستذهب إلى مكان آخر.

–        لماذا؟

–        تحتاج لبعض التدريب..

–        ولكنني مستعد من قبل.

–        لا بد من هذا الإجراء ستنفعك المراجعة.

رحلت مع الصباح مع مرافقي.. لم تطل إقامتنا في المنطقة الجديدة.. تعاون معنا الأنصار هناك.. كنا نريد الانتهاء بسرعة، وعدنا ثانية لبقية القافلة.

الأيام تمر.. أصيب البعض وقتل الكثير.. وزاد العدد.. أصيب صاحب الأنف المتورم مرة أخرى.. كنت قريباً منه وقتها، حملته وجريت.. ألقيت بنفسي خلف صخرة.. نظرت إليه  كانت إصابته خطأً هذه المرة، الإصابة منعت جنبه من التحرك.. وكان لا يزال مبتسماً.

–        كيف تشعر؟

–        ابتسم وقال: بخير.. انتبه للبقية.

نظرت حولي هناك مصابون آخرون.. كانت القذائف تمنعنا من الحركة.. والرصاص كالمطر..

–        قلت له: دعني أذهب.

–        إلى أين؟

–        سألتف من خلفهم.. وأحاول مفاجأتهم.

 

قبور الياسمين

(الحلقة السابقة: راحة> يتبع > الحلقة التالية: رجل ومطارات)

 

(تصميم الصورة: هنادي الصفيان)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

شيخوخة

2/6/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 3:47 فجراً

بالأمس كتبت عن الشعرة البيضاء الخجولة في ذقني، تبدوا كئيبة حتى أن اللون الأبيض ليس صافياً كعادته عند الأخرين، وكنت أظن أن الشيب أبرز علامات الشيخوخة، ومع أني (بشهادة الجميع) لازلت في عز الشباب إلا أنني توقعت أن أشعر بالفخر كوني كبرت وأصبحت شيخاً، لا أدري وقوراً أم لا فقد بدأت أعمالي الخاصة في هذا السن ولبست ثياب الشخصية المهنية العاملة الكادحة.

من قال أن الشيب أبرز علامات الشيخوخة؟ قالت لي زوجتي أن فاطمة (العاملة المنزلية) أخبرتها وهي تهمس بأنني لم آكل شيئاً بالأمس عدا السلطة، ثم قالت لها بأسلوب النساء حين يسرون شيئاً لصديقة قريبة يبدوا أن (بابا) كبر في السن ولم يعد يشتهي الأكل. حتى أنت يا فاطمة!! لم أشعر بموضوع السن قدر شعوري بكلامها، ربما لأنها شخص غير متوقع، بمعنى أننا لانلاحظ من حولنا من العاملين في بعض الأوقات ولانتوقع أن يكون لهم نظرة وفراسة.

ذات يوم ذهبت لسوق الخضار، ولي عادة في التعامل مع أصحاب الخدمات (العربات) في المنطقة، وهي أنني أعطي الذي لايشترط تسعيرة معينة للعربة أضعاف القيمة التي كان يحلم بها، إضافة لأمور أخرى عملتها كمعايير للتعامل معهم.

قلت لصاحب العربة كم تريد؟ قال الذي تعطيني سأقبل به، قلت أعطيك ريالاً واحداً، تقبل؟ قال اقبل.. قلت سر بنا على بركة الله، حين انتهيت من التسويق وقفت أمامه وأخرجت ريالاً وأعطيته اياه فابتسم وقبله وشكرني، فأخرجت مبلغاً آخر أكبر من أجرته المعتادة وأعطيته اياه، فابتسم وشكرني وأخذه، ثم قال أنا أعلم أنك ستدفع، قلت لم؟ قال لأنك شخص طيب، قلت ما أدراك أنني طيب؟ أنت لاتعرفني، وأتوقع أنك ستقول هذا الكلام لكل العملاء. قال لا، أنا أعمل هنا منذ اثنتي عشرة سنة، وأعرف من يدفع ومن لايدفع.

انتهى اللقاء، ولكنه تركني أفكر في كمّ التجارب الإنسانية عند هؤلاء، وخبراتهم التراكمية في الحياة، لماذا ندرس أنماط الشخصية التي وضعها علماء النفس أو الاجتماع أو التسويق ولا ننتبه للطبقة العاملة التي تحتك بأنماط البشر كلها وتراهم غالباً دون أقنعة، دون رتوش، فمعهم لايوجد عبارة (طال عمرك) (سعادتك)، هم ببساطة من يعرينا في كثير من الأوقات من كل الاضافات ويرون الحياة الحقيقة لنا.

لأمي حفظها الله (وهي أكبر مني سناً بالتأكيد) عادة مع العاملين والعاملات، فعامل النظافة يكلف بمهمة أسبوعية تعطيه مقابلها مبلغاً، والعاملة واحدة من البنات (حسب تعبيرها)، وتعني بالبنات أخواتي، فتضعها في الجدول معهم شأنهم شأنها. بل ربما قالت للبقية (وقد قالت بالفعل) انتبهوا لبنت الناس، استحوا وقوموا ساعدوها، اتقوا الله فيها، وهكذا تنال العاملة حظاً من المعاملة والراحة لاتناله الأخوات، لأنها غريبة، ولأنها ضعيفة، ولأنها يتيمة (حتى لو كان أبويها أحياء)، ولو رفضت العاملة أن تجلس في غرف البيت شان البقية تغضب أمي فمكانها في المنزل يساوي الأخريات، أو لتذهب إلى أهلها. وهكذا تجد لكل إنسان مكاناً في قلبها الكبير، وأجد نفسي محباً للسير في أثرها فأعامل الناس بأسلوبها، وأزيد عليها التأمل في حياتهم وتجاربهم.

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

التصنيفات
رؤى

أصابع

– الناس كالبصمات.. يختلفون بالرغم من تشابه الخطوط..
– الأنماط البشرية محدودة.. نحن نماذج يعاد تكررها.. كأصابع اليدين..
– لكل شخصية نظير.. قريب منها في الشكل ولكن قد تختلف الاختيارات.. كالإبهام الأيمن والأيسر..
– البشر يحبون الفضول.. كالأصابع تقف متراصة حول راحة اليد الفارغة..
– البشر يحبون القيود والزحام.. كارتباط الأصابع بالكف..
– ظاهر الأصابع قاس كعلاقاتنا بالآخرين من حولنا..
– الراحة الناعمة قد تتسبب في صفعة مؤلمة..
– نصافح الآخرين حين نقابلهم.. تحاول الأصابع تكوين علاقات وكسب حلفاء..
– حين تنفر من إنسان ترفض الشد على يده.. تكتفي بملامسته لأن هذا أقل في الإرتباط..
– مهما تشابكت الأيدي لابد أن تنفصل في النهاية.. لكل كف امتدادات لانراها.. سيرحلون ذات يوم..
– الهوية شي ثابت كالظفر.. جزء منا يعطينا المنظر والأمان.. الانسلاخ منه مؤلم..
– بعض المتغيرات كطلاء الأظافر.. قد تغرينا لكنها دخيل يجب إزالته في وقت ما..
– في النهاية.. يبقى لكل كف أصابعه المرتبطة به.. كالأسرة من حولنا..

 

(الصورة بعدسة: رهف الشبيل)

التصنيفات
القصيدة

خذي قلبي وضميه

دعـي حـرفـي يؤنـبـني.. فـكم صدقت معانيه
وضمي القلب في دعةٍ.. فقاسي القول يؤذيه
أنا أدرى بـمــــا فـعـلـت.. بـه الـدنـيـا ومـاضـيه
وكم وهـب الـغـريب يداً.. فـصـبـراً لاتـعـاديــــه
إذا ضـاقـت بـنـا الـدنـيـا.. وبـاع الـعـبـد ماضيه
فـإن الـحـر لـن يـنسى.. فـؤاداً قـد نـمـا فـيـه
يـسـيـر المرء مشتـملاً.. لظـى من حر مافيه
فـــطـــورا مــا تـفـارقـه.. مـع الـدنـيـا أمـانـيــه
وطـورا يـائـسـاً جـــزعاً.. يـعـادي مـن يـواسيه
أيا ذاتـي بكيت أسـىً.. فضمي القلب ضميه
بياض الشعر لا يغنـي.. ولـو بـالـمـوت ناعـيـه
فـروحـي كاللهيب إذا.. رأت مـوتا تــــلاقـــيـه
وإن غـدرت بـنـا الدنيا.. خـذي قـلبي فضميه

(الصورة بعدسة: سديم البدر)

التصنيفات
أكواخ الظلام

البائع الصغير

الشوارع تختنق من شدة الزحام.. والحرارة تذيب الإطارات.. والرطوبة تأكل الحديد.. والكفوف الصغيرة تحمل زجاجات الماء البارد وتبيعه على قارعة الطريق.. وبجوار إشارة ضوئية وقف طفل صغير يحمل بعض الزجاجات والعرق يتصبب من وجهه الأسمر.. وشعره الأسود الناعم قد صفف في وضع عشوائي ونظرة ساهمة منكسرة ستجبرك على التأمل في وجهه والشراء منه.