التصنيفات
رؤى

الاختبارات

962106_10151604137013921_1507915049_n

أنا لا أحب الاختبارات، لم أحبها حتى وأنا طالب في الكلية، زوجتي أكثر من عانى من ذلك، كنت أتعب كثيراً في فترة الامتحانات، مع أنني تخرجت بامتياز بحمد الله، البعض يقول هذا هو السر، والبعض يرى أنها فوبيا تستلزم العلاج، لم اهتم وقتها بكل هذه الآراء، ولازلت لا اهتم في الحقيقة، ولكنني أعرف أنني لا أحب أن يضعني أحد ليقيمني وهو قد يمتلك معايير وأدوات تؤهله لذلك وقد لايمتلك، وقد يراعي ظروفاً أمر بها وقد لايهتم، لا علينا فالمهم في هذه اللحظة تجربة مراقبة الاختبارات، فبدل أن كنت أجلس على كرسي الطالب أصبحت أقابل الطالب، ولم تتغير نظرتي للاختبارات ولكنني رأيت الزاوية الأخرى هذه المرة.

هذه المرة رأيت الإجابة النموذجية، وتعلمت منها أن الحياة لاتختلف كثيراً عنها، فعلى صعيد الفرد كلما تطابقت اجابتنا مع النموذج حصلنا على درجة أعلى، وعلى صعيد المجتمع تتساوى نتائج أعمالنا ويزيد التوافق بقدر ماتتطابق اختياراتنا.

في النماذج المتعددة للأسئلة يمكن أن نرى صورة التعددية في المجتمعات، تعددية دينية وفكرية وذوقيات واختيارات وأنماطاً من الشخصيات والسلوك، ولكننا في النهاية ندور في محيط محدد من الاختيارات، طرفين ومابينهما من مدى الاختيارات الواسع، ويحكم خياراتنا الواقع والفرص المتاحة، يحكمنا مؤهلاتنا ومجموعة مؤثرات من حولنا، ونختار مانريد، أو مانقدر على الوصول له.

وفي مسيرة حياتنا نتفاوت في ثقتنا بما في أيدينا، في إيماننا بما نفعل، وسيكون الحال مشابهاً لورقة تعرضت لمسح وتعديل ومراجعة تلو مراجعة، يمكن التعرف على الإجابة ورصد النتيجة في الورقة الواثقة بشكل أسرع، كما هو الحال في التعامل مع رجل يحمل مبدئاً ويدافع عنه ويقف في وجه الجميع ليعلن اختياره.

هذه الثقة لاتعني بالضرورة صحة الاجابة، والعاقل في الحياة من يدرس الفكرة جيداً ثم يؤمن بها وتضبط بالتالي خيارته وفق التصورات والأوامر التي تسنها، ويضع في عقله مساحة للمراجعة والتراجع، للتصحيح والاستفادة من الخبرات الأخرى.

في الحياة سنختار وستفرض علينا اختيارات، ولكن في كل الأحوال لابد وأن نلعب ضمن حدود القوانين التي تضعها الجهة الرقابية، أن نلتزم بالأنظمة بغض النظر عن مدى ايمانننا بها أو مخالفتنا لها، لايهم رأينا تجاهها ولكن المؤكد أننا سنعاقب بقدر تجاوزاتنا مالم يشملنا العفو.

المراقبة من الخلف تعطي رؤية وهمية في كثير من الحالات، فأنت لاترى العيون ودلالاتها، وكذلك العمل خلف الناس يخدع صاحبه ابتداءً، فمقابلة الجمهور ستعلمك الكثير، سترى في العيون لغة تفضح أصحابها، وترى في حركات الجسد وتعابير الوجه الكثير. لن تستطيع أن تعرف من ظهر الإنسان مدى حزنه إلا من خلال سقوط أكتافه واحدوداب ظهره، ولكنك سترى الكثير في وجهه، في ابتسامته ودمعته، وفي شروده وغيابه عن واقعه.

من يقف لايخطئ، وقد يخدع بهذا أيضاً، فمن يتحرك قد يخطئ وتفوته بعض الأمور، ولكن في حركته سيرى الكثير مما فات الواقف، سيرى توتر طالب تهتز قدميه في عصبية، وسيقرأ من خلالها مدة قلقه على غياب المعلومة في وقت الأزمة، ومحاولات استراجاعها، وسيرى طالب يحاول ستر بعض الأسئلة بيده فيعلم تردده وعدم استعداده للامتحان، وسيرى طالب  يرفع عينه بعد كل فقرة لتقابل عين المراقب ويبتسم، إنه يقول ها أنذا مستعد، أو على الأقل راضٍ بالدرجة التي سأحصل عليها.

الوقوف في الظل ومراقبة الواقع لاتعني الربح دائماً، التفاعل مع قوانين الحياة ومواقفها هو الإثراء الحقيقي، ومايفوت الواقف بحق هو المقارنة بين أخطاء الحركة مقابل فوائدها، وبين أرباح الوقوف مقارنة بخسارة التجربة.

في الاختبار هناك قوانين تضبط العملية، ومنها عدم تبادل الأدوات، ليحضر الطالب أدواته التي يعمل بها، ويتعلم الإنسان منها أن يكون مهيأ بما يملك، يدرس واقعه ويحضر مايساعده على التعامل معه والاستفادة من معطياته والعمل على تنفيذ واجباته.

هذا لايمنع وجود نقص في بعض الموارد، ولكن في حالة النقص سيكتشف الإنسان أنماطاً كثيرة تعيش حوله، بين من يبخل بالمساعدة مع تممكنه، ومن لايحب أن يفسد خطة وضعها فيترج من المساعدة خوف التأخر عن موعد الخروج، وسيرى كريماً يعطيه الآلة ويخرج دون أن ينتظر منه كلمة شكر أو حتى يسترجع الأداة التي منحها إياه.

اليد العليا هي الأفضل، وستشعر بالسعادة وأنت تعطي وستكون كلمة الشكر الأكبر في حقك ذلك الشعور الذي يملأ نفسك حين تقدم جزءاً منك للآخرين.

 

(الصورة بعدسة: عبدالله السعد)