التصنيفات
رؤى

قصر وهاوية

كل مرحلة من حياتنا تمثل حياة جديدة.. ولادة، فطفولة، فمراهقة، فشباب، فشيخوخة، فموت. الموت في الحياة القديمة، أو بالأصح نهاية التجربة القديمة تعني بداية تجربة جديدة أو حياة جديدة. ثم تتكرر العملية نفسها بغض النظر عن زمنها. المرحلة الابتدائية ست سنوات، تنتهي لتبدأ المرحلة المتوسطة ثلاث سنوات، وتسلمنا بعدها لنبدأ الدراسة الثانوية لثلاث سنوات، ويكمل بعضنا التجربة العلمية بأربع سنوات في الجامعة، ويقل العدد في الدراسات العليا، وبعضنا يتوجه إلى سوق العمل ليخوض تجربة مختلفة، وهكذا. الصورة تشبه صورة الطفل الذي يرى الأشياء لأول مرة فيتعجب منها ويبدأ في استكشافها، ثم يصبح الأمر طبيعياً بالنسبة له فينتقل إلى استكشاف شيء جديد.

التجارب تتشابه في بعض معطياتها، وتتنوع في معطيات أخرى، الأمر يشبه الطرق في المدن، فالطرق تجارب حيوية تمثل قرارات مصيرية، والطرق الداخلية قرارات فرعية تقل في أهميتها وخطرها عن القرارات الأخرى، وهكذا يأخذ حجم القرار ومدى تأثيره حجمه بحجم التأثير الذي سيحققه في حياة الفرد.

طوال مراحل حياتنا، نحمل رصيداً تراكمياً من التجارب، ننطلق من خلاله في أحكامنا، ونعبر به عن رغباتنا، وبقدر مانحسن التعامل مع المواقف يكون التميز في الخبرة، وتتجلى سلامة الرأي وصحة المنهج.

في محيطنا هناك صوتان يعلوان:

–        صوت منظم متزن يمثل أنظمة ولوائح نسير عليها، أسميه صوت القانون، أسميه الدين ويسميه غيري باسم آخر باختلاف الخلفية التربوية عندنا.

–        وصوت عشوائي مختلط ينتج عن التقليد وتلقف الأصوات الهائمة في الأثير الفكري من حولنا.

صوت القانون يشبه القصر في بعض النواحي ومنها:

  • أنه منظم، ومترابط، يكمل كل قانون القانون الآخر.
  • أنه يرتبط بالموارد المتاحة سواء المادية أو البشرية.
  • أنه قد يقيد بالزمان والمكان.

الصوت الآخر يشبه الصدى، فلو وقفت على شفا جبل وصرخت لرجع صوتك، في المرة الأولى سترجع الكلمة فقط، ثم يرجع التكرار الآخر، وفي كل مرة يرجع يختلط بموجات الصرخة الأصلية ويأخذ الصدى في التشوه. وفي حال وجود عدة صرخات يزيد الاختلاط.

فلو سقط إنسان من قمة الجبل فسيصرخ، وسيكون من المؤسف أن يتلقى بعض من يقف على القمة صدى صوت الساقط في الهاوية ويردده على أنه مبدأ أو قانون. إن الساقط يصرخ ولا يعبر، فكل مايقوله وقتها هو محاولة للتوقف عن الانحدار، ومن هنا تجد التعارض في بعض الشعارات والمبادئ التي تعلن من حولنا. لأنها ليست سوى صرخات متفرقة لاتحمل معنىً ولا تناسب مجتمعاً.

إن القوانين والشرائع تتميز بأمور منها:

  1. التنظيم. فللمهام تاريخ بداية ونهاية، وخطوات عمل وإجراءات تنفيذ، وقوانين تحكم مبدأ الثواب والعقاب.
  2. التدرج. في العقوبة، في الثواب، في الأوامر، ومراعاة الطاقة الإنتاجية للفرد والمجتمع.
  3. التكامل. فقوانين مالية، قوانين اجتماعية، وقوانين أسرية، وقوانين سياسية، كلها تصدر لتكون جزءً واحداً متكاملاً يحقق الصورة النهائية للعمل.
  4. الملاءمة. فهي تراعي الفرد والمكان والزمان، وهي في مقدور مواطني الإقليم، الذين يتعاملون معها بشكل دائم، بينما أصوات الساقطين لا تحمل سوى رغبات الشخص ومحاولته لإنقاذ نفسه بالصراخ. وفي الهاوية تتردد صرخات ساقطين آخرين لتختلط وتعطي مزيجاً من الضوضاء اليائسة، وتوحي بالسقوط.

ومن هنا ينتج عندنا نوعان من القرارات:

  1. قرار ينتج عن اقتناع، ويصاغ نتيجة خبرة ومعرفة. ويتقيد بالأنظمة. والأنظمة الصحيحة لن تتعارض مع القناعات وسيجد الفرد فيها راحة وطمأنينة، وفي رأيي أن الشرع هو النظام الأصلح، لأنه يحمل العصمة، وهو الأمر الذي وصل إلينا عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. والتاريخ يشهد بوجود الوازع الديني في تكوين المجتمعات، بغض النظر عن دينها ومدى تمسكها به.
  2. قرار ينتج عن تأثر بأحداث خارجية مختلفة المعايير والمعطيات. ويحمل طابع العشوائية نتيجة التكرار لما وصله من الصدى المختلط.

فرق بين قرار في قصر وصرخة في هاوية. وفي عالم اليوم تتردد وتعلن القرارات والشعارات والمبادئ من حولنا، نراها في شاشات التلفاز، في لوحات الإعلانات، في الصحف، في الشبكة العنكبوتية، بل ونراها في تغير سلوك أبنائنا من حولنا. وفي ظل غياب المنهجية وتشوه مفهوم الدين، وضياع الهوية وغياب معاني المروءة والسمة العربية، يسير البعض منا في طريق الهاوية، ربما ليضيف صرخة إلى سجلات الساقطين.

 

(الصورة بعدسة: Rutger Spoelstra)

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.