التصنيفات
رؤى

مراحل القمر

تمر مراحل حياتنا وهي تشهد تطورات تمتد لتشمل كل التفاصيل الجسدية والفكرية والمعرفية، وبين مد وجزر نراقب أنفسنا ونحن نرتقي أو ننحدر، تماماً كمراحل القمر المولود على شكل هلال يظهر من الشرق لتشرق أنفسنا معه ايذاناً بالولادة، وينتهي في المغرب ليطوي صفحة من حياته القصيرة وحياتنا القصيرة كذلك مقارنة بعمر الحياة. لكن القمر يحظى بفرصة الولادة الثانية والثالثة والعاشرة، ليعود في كل شهر من أعمارنا بحياة جديدة ماراً بنفس المراحل، بينما تنتهي حياتنا بساعة وفاتنا.

فرصة الولادة المتكررة ننالها تربوياً وفكرياً ومهنياً.. فيمكن أن نعطي مرة بعد مرة، نتعلم من أخطائنا، ونكمل النقص في شخصياتنا، في دائرة من العمليات والممارسات لنصل إلى ذروة عطائنا حين اكتمالنا المعرفي ونضجنا وشعورنا بالرغبة في العطاء والحاجة للتميز.

قبل أن نصل للنضج نمر بمرحلة نقص في المعلومات وشح في الأدوات، كما أننا لا نفهم الأمور بالصورة التي نعالجها حين يمتد بنا العمر، الرغبة في الإنطلاق المميزة للشباب تقحمنا في المخاطر، وقلة الوعي في التجارب تحرمنا بعض الفرص، ولكن الأمر بعد النضج يأخذ صورة أخرى فالذي ينقصنا وقتها ليس سوى الطاقة المحفزة للعطاء، والرغبة في البذل، نتيجة ردات فعل أو تكاسل عن التكاليف.

الفراسة التربوية ستجعل من يرى تميزك يعقد عليك أملاً في نضوج مميز، وسيظل يراقب تطورك منتظراً ساعة بذلك، وسيتألم حين يرى تأخرك عن بذل مميز بعد نضجك، سيفرح بنموك واكتمال صفاتك، كما سيشمت فيك من يبغضك ويتمنى نقصك، بل حتى من ينافسك في المجال نفسه من أقرانه قد يشعر بالسعادة نتيجة تعثر تمر به نتيجة خطأ في التأسيس أو انتكاسة مؤقتة. ومن وقف معك في مسيرتك وساهم في تطويرك سينتظر العائد من جهده ولو كان في أبسط صوره كمشاركة في هدف أو شعور بالامتنان وتقديم الشكر لما قام به. وحين تكتمل وتظهر في موقف يميزك سيرى الناس جمالك، وبالرغم من أن الكمال شي نسبي ولن يكون يكون تاماً إلا أنك ستتميز به، ومابقي من صفات نقص يخفيها بريقك وثباتك ووضوحك.

لاشيء يبقى على حاله في هذه الحياة، ولذلك قد تبرز قبل نضجك في موقف وتتأخر في الموقف ذاته بعد أن تعقد عليك الآمال وتبلغ مرحلة النضج، يؤثر فيك عدة عوامل مادية ونفسية، يؤثر عليك الإيمان تماماً كنقص الموارد، ولكن هذا التذبذب لن يكون مقلقاً إذا كان في حدود المسموح به، ويمكنك تمييز ذلك بمراجعة منهجيتك والتعرف على حالة التراجع إن كان مؤقتة فتعمل على التحسين، أو كانت دائمة فتعمل على التصحيح. هذا الضعف والقوة ثم الضعف والقوة سنة كونية ستظل مستمرة مابقي الإنسان، والمطلوب منه معرفة نفسه ومايميزها وينقصها، ومعرفة أهدافه وإلى أين ستوجه، والتعرف على محيطه ومافيه من أدوات يمكنه الاستفادة منها، وفي حال وجد النقص يبدأ في معرفة أسبابه وطرق تفاديه، واختيار المسار الصحيح الملائم له.

لاتكفي الرغبة في الأشياء للقيام بها، بل لابد من القدرة على التنفيذ والتحقق من ملائمة الاختيار. ثم وكمنازل القمر يبدأ في تحديد مكانه الملائم، ليعطي منه مايناسب المرحلة ويتفاعل مع المعطيات بصورة صحيحة.

من حولك من أجرام ليسوا مثلك، ولكنكم معا تشكلون خارطة السماء، ولكل جرم دوره، فأد واجبك وقم بدورك بصورة صحيحة، والزم مسارك في ظهور مشرق يدير الزمن ويظهر في وقت ملائم، وفي غروب رقيق يترك مساحة لظهور من يكمل دوره ولايعرقل مسيرة العمل.

سر في مسارك في ثبات واستكمل النقص وفق رؤية واضحة طويلة المدى، ومهما تغير مستوى الأداء لاتمل من التصحيح والعودة من آخر نقطة ينبغي عليك العودة إليها لضمان السلامة. ومهما رأيت نفسك بعيداً فثق أن هناك أعيناً تراقبك وتفرح برؤيتك، وبين اكتمال يسعدها ونقص يجرحها ستظل قمراً في سمائها تنتظر ظهوره كل مرة ليأخذ بيدها ويرشدها في متاهات الحياة.

 

(الصورة بعدسة: ريان)

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

تعليق واحد على “مراحل القمر”

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.