التصنيفات
رسائل إلى نفسي

شوق وقيود

 8285015684_b9ea20f1de_o

15/8/2011م

منزل صديقي (غرفة الضيوف).. الساعة 3:45 فجراً

أمي.. ضاقت على ولدك السبل.. بين قلب لاهٍ.. وروحٌ معلقة.. يهدني الشوق يا أمي وتقيدني الذنوب.. تحملني الذكرى فأطير، ويصدني الواقع فيرديني.. لم أستطع التحرر من قيودي.. هل لأنني لم أجد يداً تحررني أم أنني أعشق قيدي.. حاولت مراراً، والحقيقة أنني حاولت مجتهداً.. وفي كل مرة أطير أسقط.

تذكرت منظر طائر أصيب وحاول الطيران، كنت أراه يقفز ويرفرف بأجنحته كأنه غريق، لم يكن خفقان الأجنة منتظماً بما يكفي لحمله، ولم يفقد الأمل ويرضى بواقعه، رأيته وعينه تنظر إلي وقد أوشكت أن تخرج من رأسه، ثم يقفز ثانية ويصطدم بكل شي، بالجدار وبالحديد ويحاول أن يبتعد عني فيقع في كل مهلكة تحيط به. حاولت أن أساعده فقط.. ولكنه قاوم وقاوم وفي النهاية قضى وحيداً..

المبادئ ثقيلة، والحياة حادة، نحمل ثقل المبادئ على شفرة الحياة الحادة فتمزقنا، تدمي أطرافنا ويخترقنا الألم وتشم السباع رائحة الدم فتنهشنا، ولاكف يذود عنا، وأيدينا مشغولة بما نحمل.

ثقل المبدأ يعادله ثقل المعصية، حين تشتد سواعدنا تقصمها المبادئ، وحين نضعف تكسرنا الشهوات، فيمزقنا الألم في كل الأحوال، سعيد من رحل، هكذا نظن، لاندري ولكن نحسب أن الموت نهاية معاناة وهو كذلك، ولكنه باب آخر لمتابعة ماحملناه معنا. كم مرة طافت الأشواق في خلدي؟… أنا حياتي تبعثرها مسافاتي.

الشعور بالثقل مريح بقدر تعبه، تأنس أرواح له فتتعلق به، ترفض المدنية والراحة وتطلب التعب والارتحال، طيور بعثرتها الهجرة، ولم تألف طريقاً تعود منها لموطنها، فلاموطن لها لتعود إليه.

في طريق الهجرة يصطادها الآخرون، وتهجرها الطيور، الريش المغبر المتسخ رداء يحسدونها عليه، كان لامعاً ذات يوم، من يعرفهم سيشي بهم، سيتقاسم الآخرون قوادمهم، حتى في مساحات الفضاء شعروا بالازدحام، فلا الأرض وطن، ولا الجو وطن، يتعبون من أجل قبر وكفن.

راقب طائراً يفلي ريشه، سيعجبك منظره، ستلاحظ اهتمامه بنظافته وتسوية أطرافه، هل رأيت طائراً وقت الصيد؟ في لحظة تضربه الرصاصة ويختلط الريش المنسق بالدم، ويقع ينتفض، ونظراته تشرح لك معنى الطائر المصروع، ثم وبهدوء ترحل روحه، لو كنت صياداً سيهمك أن تسارع لذبحه قبل أن يموت، لن تهتم بالدم والنظرة والريش المتكسر.

هذه الطيور أسعد حالاً من الغريب، لانبت يثبت في غير تربته، ولا أرض يمكن أن ينتشر فيها الأحرار ليثمروا، ستراهم كالجذوع الضخمة منطرحين على الأرض وجذورهم مرتفعة كأنها تحاول الامتداد في السماء بعد أن فقدت الوطن في الأرض.

من لم يجد ثباتاً في الأرض سيجده في السماء، ولكن أين طريق السماء؟ كثرت الطرق الوهمية كالسراب، نجري خلفها خوف الزحام ونصل لنجد الآخرين يشمتون ويطعنون، طريق السماء واسع، مساحات السماء واسعة، الجو كله طريق، وتنكسر الأجنحة من جديد.

أقول لنفسي لو أنني أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته أن يدعوا لي بالثبات، ثم بطولة العمر في الغربة على فرس من جبهة لجبهة.. ليس خوفاً من الموت، ولكن حباً في الجهاد.. لقد عرفت قلبي، لاحب يستقر فيه غير حب الجهاد.. كأنني أعشق التعب، هنا سلاحي، هنا قلبي، هنا مالي… هنا رحيلي وأشواقي وآهاتي.

هنا المنايا تغازلنا فنخطبها… فتطلب الدّم، فلتنعم بأناتي.

أغمضت عيني فمساحات الظل محظورة لاتظهر خارج نفسي، لابد أن أعود إلى اخفائها فالبوح قاتل.

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

Creative Commons License
كتاب آت by Abdullah Ali is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.
Permissions beyond the scope of this license may be available at www.aalsaad.com

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.