التصنيفات
همسات

السجين

مساحة بيضاء فارغة.. أو قولي خضراء مثمرة..
هي ليست قلبي..
بل هي المكان الذي أنظر إليه من سجن نفسي..
ألتفت للخلف فأرى سواد جدران مر عليها الزمن والأحداث.. وأنظر أمامي فأجد قضباناً تأبت على الصدأ والسنون..
أقترب منها لأنظر ثانية للمساحة الخضراء..ألصق خدي الخشن بها لأتعود عليها فأنسى وجودها..
السهول تمتد بامتداد البصر.. أفكر في الجدران السوداء فينتابني الضيق.. أغمض عيني وأحاول النسيان..
لا أريد أن تقطع الجدران السوداء جمال السهول الخضراء..
يضربني البرد وتقرصني الرطوبة في ظهري لتذكرني بواقعي المر..
تهل نسمات السهل اللطيفة..
أستنشقها وأحاول أن أملأ رئتي..
تصلني رائحة رطوبة الجدران..
أشعر بالضيق والتفت في عنف وأصرخ: يكفي..
ألتفت للجدران القذرة في غضب.. وأبصق عن يساري..
أقترب من الجدار في حقد..
أمسكه بأظافري.. أشعر بها تنغرس فيه..
أتخيله لحماً فأحاول تمزيقه..
يسيل الدم منه..
أشعر بالألم يمزق أظافري..
الدم ينزف من تحتها..
أنسى آلامي وأحاول أن أكسر الجدار..
أنهار باكياً بجواره ويدي تضربه في أسى..
تصلني أصوات السهل فأقفز لأنظر إلى الأغنام وهي ترعى..
بعد قليل سيصل الرعيان..
سأحأول أن أخاطبهم هذه المرة..
توقفت كثيراً في تردد..
ولكنني هذه المرة سأفعل..
سأسألهم عن.. وانتهت خواطري عند هذا الحد..
وقعت على الأرض وظهري للباب الحديدي الموصد..
مسحت وجهي بيدي الخشنة..
وضعتها على عيني وأغمضتها..
لماذا لا أبكي؟
انتهت الدموع؟
وصلني الصوت قريباً هذه المرة..
كانت نشيداً حزيناً ذلك الذي يردده الراعي..
شعرت بتبلد أحاسيسي.. وانتهت رغبتي في البكاء..
وألقيت برأسي على أرض الغرفة الباردة.
استيقظت مساءً..
فتحت عيني وبقيت أنظر لخيوط الضوء المناسبة من النافذة الحديدية..
أصبح في الغرفة نافذتان..
وقفت في تكاسل واتجهت صوب النافذة..
نظرت للقمر..
السماء صافية..
النجوم منتشرة بشكل يحرك الأشواق..
ولكن الجدران الباردة تذكرني بوجودي هنا..
بكيت.. بكيت.. بكيت..
أمسكت القضبان الفولاذية.. كانت خرساء لا تتحرك..
ارتفع نشيجي..
كنت أبكي واصرخ..
حتى الليل يرفض ترديد صوتي..
كنت أريد الخروج من سجني بأي طريقة..
أحاول أن أمسك خيوط الضوء المرتسمة على الجدار.. علها تقودني للخارج..
أقبض على الفراغ في يأس ونحيبي يرتفع..
أحاول أن أتلمس خيوط النور..
شعرت بالوقت يمزقني..
وبدأت أصوات الليل تعاندني وترتفع وكأنها ضحكات تسخر مني..
وبين دموعي وقهقهات الليل كانت محاولاتي اللاهثة لإمساك خيوط الضياء..
الرطوبة تلهبني وكأنها تحاول تثبيطي عن عزمي..
والنسمات اللطيفة تحولت إلى سكاكين باردة تلفح أطرافي وتتوغل في عظامي..
كنت أبكي وأمد يدي في لهاث محموم..
أتذكرك وأفكر فيك..
أفكر في حياتي كلها..
أفكر في أطفالي وهو يلعبون من حولي..
وأفكر في غرقي وبعدي عنهم..
حتى دموعي كانت عقاباً يؤلمني..
ومع أول خيوط الفجر، فشلت آخر محاولاتي..

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

4 تعليقات على “السجين”

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.