التصنيفات
همسات

شعرة بيضاء

الشعرة البيضاء الوحيدة تشعر بالغربة في ذقني..

تطل وحيدة في تردد حتى لاتكاد تلاحظها مالم تركز..

بعد قليل ستأنس بآخرين..

هكذا نألف الأشياء في حياتنا..

كم هي الأشياء النادرة في حياتنا؟

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

التصنيفات
همسات

طبيعة

 حين تصيبني الحمى أصبح مثل وحش كسير..

أجوب في صمتٍ الطبيعة.. أبحث عن علاجي..

تثقل كاهلي الحرارة.. وأتعثر في المسير..

لا أميل للأدوية الكيميائية..

ربما كنوع من التميز في الأداء.. لذلك أرفضها باعتبارها غير مطابقة لمعايير الجودة (الشخصية)..

أو ربما رفضاً للارتباط بالمدنية.. بمعظم تقنياتها وأدواتها..

وفي النهاية أضطر.. وأتعامل مع الدخيل تماماً كالضرورة..

أخذ منه مايبقيني قيد الحياة..

 

(الصورة بعدسة: أسيل الغنام)

التصنيفات
همسات

التأريخ الأبرص


“نحن شامة في جبين التأريخ”.. تكررت هذه العبارة في أكثر من دولة، أكثر من جنسية.. فهل نحن شامة بيضاء في جبين تأريخ أسود؟ أم شامة سوداء في جبين تأريخ أبيض؟ في كل الأحوال قد نكون سبباً في تشويه وجه التأريخ..

–        فالشامة البيضاء في الوجه الأسود تشبه البرص.

–        والشامة السوداء في الوجه الأبيض جميلة، ولكن كثرتها (بحسب الدول الشامات) تفسد الوجه ويصبح أبلقاً.

مالذي يجعلنا نشعر باستقلالنا كأمة لاترتبط ببقية المسلمين؟ قد يعود ذلك للأسباب التالية:

  1. غياب الأمة الواحدة التي تتبع ديناً واحداً وتنتمي إليه.
  2. النظر إلى العروبة على أنها الممثل الوحيد للإسلام.
  3. الشعور بالفوقية وانتقاص الأخرين.

هذه الأسباب تعطي دلالة واضحة على غياب بعض مفاهيم الدين، سواء جهلاً به أو تقليداً لمستعمر ورضىً بمنهجيته المخالفة.

كل مايستهوينا في المناهج المختلفة يأخذ صورة من ثلاث صور:

  1. مايدخل في مجال الدين.. وهذا الأمر تحكمه الشريعة وفي الدين غنىً عن المخالفين.
  2. مايدخل في مجال المندوب المستحب.. فهذا ستطلبه الطبيعة ولا يخالفه الدين بل يدعوا إليه.
  3. مايدخل في الذوقيات.. فالواقع يوجهه ويحدده وهو نسبي يختلف باختلاف معطيات كثيرة.

وبلا عودة للمفاهيم الصحيحة للدين قد نكون شامة بيضاء في وجه أسود، أو شامة سوداء في وجه أبيض.

(الصورة بعدسة: سديم البدر)

التصنيفات
همسات

المؤذن

في حينا رجل كبير جاء من البادية واستوطن المدينة ويعمل مؤذن في مسجد صغير يؤمه كبار السن في الغالب..

لايملك صوتاً شجياً حنوناً، ولكن جهوريٌ واضحٌ يبلغ به الأذان.. وينتقده البعض بسبب صوته..

في الحقيقة المشكلة بينه وبينهم ليست في حسن الصوت، ولكن في اختلاف المعايير..

هو يرى أن عليه تبليغ الأذان ولايعرف الفرق بين مكبر الصوت الواقف أمامه ومسجد القرية المحروم من مكبرات الصوت..

يمكن حل المشكلة بمعالجة وحدة التحكم في الصوت بدلاً من انتقاده والتلفظ عليه..

(الصورة بعدسة: إياس السحيم)

التصنيفات
همسات

أبي

أبي

منذ أن رحلت افتقدت هذه الكلمة.. أبي.

أشعر بالحنين إليها.. وأشعر برغبة في أن أقولها.. ولكن لمن؟

بالأمس ذهب معي ولدي.. تذكرت عندما كنت أذهب معك.. أمسك بإصبعك.. أسألك عن كل الأشياء.. أتلفت هنا وهناك.. تبتسم لي حيناً وتوبخني حيناً.. ولكن كنت أحس بحبك.

أتذكرك في المنزل.. صمتك، هيبتك، وجلوسنا حولك.. وتحاشينا النظر إلى وجهك.

أتذكر عندما كنت أريد شيئاً.. ضحكت من نفسي.. كنت أخاف أن أطلب منك، مع أنك لم تكن تقول لي شيئاً.. كنت أسأل أمي.. كنت مهيباً يا أبي.

أبي.. أحن لهذه الكلمة.. لو كنت حياً فسوف أبكي عند قدميك..

سوف أقبلها وأضمك لأضع رأسي في صدرك..

سوف أغمض عيني وأنام..

سوف أتدفأ في حنانك..

أشعر يا أبي بقسوة الدنيا.. نعم لا تخف.. لازلت رجلاً كما أوصيتني.. لا يرى الناس مني سوى البسمة.. ولكن كنت أعطيهم البسمة وأخذها منك.. واليوم أعطيها ولا أجدها يا أبي.

أنظر لطفلي.. سيفتقدني يوماً ما.. لا أدري متى، ولكن بالتأكيد سيفتقدني.. ربما لن تكون لديه الكثير من الذكريات عني.. أما أنا ففي ذاكرتي كنوز الذكريات..

تذكرت يوم أن كنت تضربني.. لم تكن تضربني كثيراً.. ولكن كنت أنتظر يوم الضرب هذا طول السنة.. خوفي كان يمنعني من أمور يراها غيري عادية ولكن هي التربية.

أبي.. أحبك.. نعم أحبك.. وأفتقدك..

أحب كل شي فيك.. تقول لي أمي أنني أشبهك في بعض الأمور.. أشبهك في مظهرك.. أشبهك في غضبك.. واليوم اكتشفت أنني حينما أمشي أقلد مشيتك.. لو علمت أمي بهذا ستضحك علي كثيراً.

أتذكر يا أبي صمتك.. وتربيتك بالنظرة.. كنت أهابها ولكن تعلمت منها.. ربما لهذا لم تكن محتاجاً إلى ضربي كثيراً.. الحر تكفيه الإشارة هكذا كنت تقول لي.. ابتسامتك المشرقة ياأبي أتذكرها.. أفتقدها أيضاً.. وافتقد دفء يديك..

أتذكر يوم وفاتك.. وأتذكر تمددك على السرير.. أتذكر يوم أن أخذتك إلى المستشفى.. وأتذكر يوم أن أغمض الطبيب عينك.. تردد في أن يصارحني بالخبر.. لم أكن خائفاً من الصدمة.. فقد علمتنا الصبر.. فقط خفت على أمي أن تعلم بوفاتك.. ولكنها أيضاً تعلمت معنى الثبات.

اليوم يا أبي أزور قبرك.. أقبل التراب الذي دفنت فيه.. كم حوى هذا التراب من الخير.. ضم المآثر كلها.. آه ياأبي.. رحمة الله عليك.

 

(الصورة بعدسة: سديم البدر)

التصنيفات
همسات

أدباء ومدربون

 

أسوأ تجربتين تمر على الثقافة هما:

  • سيل المسميات الكبيرة التي أغرقت بها الساحة، كالمدرب المعتمد، المدرب المحترف، المدرب العالمي، وغير ذلك.
  • فتح الأبواب بلا ضوابط ليكتب ويشارك من ليس مؤهلاً في علم ولا فكر ولا أدب.

التدريب يقوم على أمرين:

  1. توفر المعلومة النظرية والتي تأتي من خلال:
  • الدراسة.
  • القراءة.
  • البحث.
  • والتدريب نفسه كمدرب أو متدرب.
  1. الممارسة الحقيقية للمهام.. والعمل في ميادين فعلية وتحيات حقيقية، فينقل لنا تجربته ويصور لنا حلولاً واستراتيجيات مبتكرة تضيف معنى للتجربة المعروضة.

وتصدي بعض المدربين الصغار (سناً أو علماً أو خبرة) للتدريب، بناءً على اعتمادات من جهة غير منهجية ولاتمثل الخيار الأفضل في التأهيل، والحديث بأسلوب فخم متكلف أو تمثيلي يعد مؤشراً سيئاً، والمشكلة أن بعضهم يحسب على الثقافة والمثقفين.

والفكر والأدب والكتابة كذلك تعتبر هماً ثقافياً، لأن البعض يمارسها بتكلف ودون علم ولا تجربة أيضاً، كلمات رنانة توحي بالثقافة والإطلاع نسمعها من هنا وهناك، شي يسمونه أبيات شعر، لا أدري لماذا يسمى شعراً ولاوزن فيه ولاقافية ولاروح ولامعنى، أو قصة متكلفة ممجوجة لثقافة لاتناسب ثقافتنا، ولم تبن على تجربة لنقبلها، أو تطاول على الدين باسمه، خوض في مسائل فقهية دقيقة دون تأهيل علمي على أيدي علماء ثقات يمنحون إجازة الفتوى. هذه الإثارة تعتمد على محاور منها:

  1. الاثارة وإبراز العنصر النسائي.
  2. تحدي المسلمات الشرعية لأنه لاشي يحميها.

ثم ولوجود السيولة يتمكن من الطبع، ولوجود المطبلين يتمكن من النشر، وقد سألت أديبةً فازت بجائزة في القصة عن المنفلوطي، ومحمد عبدالحليم عبدالله باكثير فلم تعرفهم، وسألتها عن البارودي والبردوني ومحمود مفلح فلم تعرفهم.. وسألتها عن القراءة فقالت: لا أحبها.. وسألت آخر عن ابن القيم فقال لا أعرفه، فماذا لديهم ياترى؟

الخلل هنا يكمن في المزاحمة من قبل أشخاص ليسوا بأكفاء، وكيف يزاحمون؟

من خلال نظرة إدارية تسويقية أقول يزاحم لسببين:

1. توفر الموارد ورغبتهم في أن يكون لهم نتاج مطبوع، وبلا شك سيكون لهم قرائهم ومتابعيهم لأي سبب.

2. تقديم مايطلبه العملاء.. وهم هنا شريحة القرآء ومن له مصلحة في إثارة قضية.

والنتيجة النهائية ضبابية حول أصوات مميزة خفتت لعدم وجود فرصة لظهورها، أو شتات لأجيال من الشباب تنبهر بما هو غريب وابتعدت عن المسلمات، ولحين وجود سلطة قوية تحكم المتطاولين وتسيطر عليهم سيبقى الوازع الديني أضعف العوامل الرادعة لمثل هؤلاء المزاحمين.

 

(الصورة بعدسة: بشرى محمد)

التصنيفات
همسات

رسالة لأمي

كل شي يذكرني بك.. حتى مرضي..

 

أفراحي ترسم أفراحك..

وبثغرك حبات اللؤلؤ..

ينظمها كفي يا أمي..

 

بسماتك تأخذ فرحتها..

من ثغري..

من ضحك عيوني..

من بسمة آمالي..

نظراتك ترسم عاطفة..

وعيونك مرآة شجوني..

 

في صدري ألم الأعوام..

أطويه وأطوي أيامي..

وأخادع عينك يا حبي..

كي أخفي عنك الآلام..

 

كالطفل أغوص بأحضانك..

أبتسم لأخفي أحزاني..

أملأ بيتك بالضحكات..

وتزيد بصدري الحسرات..

 

أشتاق لكفك يا أمي..

أشتاق لعطرك ننشقه..

وبصوتك يملأ أعماقي..

يترعها خيرا يا قلبي..

يالحناً يرقص في شفتي..

يا عقداً في جيد الأيام..

 

آه ياحسرة أفراحي..

تبعدني عنك الأميال..

في بعدك نار تحرقني..

وبقربك تزداد النيران..

 

(الصورة بعدسة: أسيل الغنام)

التصنيفات
همسات

الذكريات

 

ذات يوم كان لي صحبة.. ودعتهم في طريق المبادئ.. وعدت وحيداً.

وأبدلني الله خيراً منهم.. وكتب علي فراقهم وعدت وحيداً.

وتتكرر الوحدة في حياتي.. يوماً بعد يوم.. وعشقت وحدتي ورغبت فيها حتى لكأني لا أعرف من الأرض شيئاً ولست من أهلها. حتى أنكرت نفسي ولم أعد اعرفها.. فكأنها شخص آخر أرغب في نسيانه.

اليوم تدور الذكريات.. وتدور عجلة التجارب.. فلا أدري أوحدة هي وحدتي أم نوع من التنوع في العلاقات.. أتذكر سفري واستقراري.. أتذكر صمتي وكلامي.. أتذكر فرحي وأحزاني.. وأنظر موضع قدمي لأتأمل أصحيح ماأريد فعله أم خطأ.. أتجربة مدروسة، أم رغبة في البعد والتميز.

أذكر خلي في هذه اللحظة.. ذاك الأخ الذي أحببته كأشد ما يكون الحب وترافقنا معاً كأسعد ماتكون الرفقة.. تقاسمنا السعادة.. وتناصفنا المشقة.. وكلها أنواع من اللذة يعرفها الخبير.. لو تأمل فيها لوجدها ابتسامة الأيام وإقبالها.. وأسعد اللحظات وإشراقها.. صورة السعادة التي يحاربنا من أجلها أهل المال والثراء.. رغبة في الاستقرار.. وحباً في الراحة.

وأشعر بسعة صدري.. وأتعجب كيف ضاق على سعته فلم يعد يحوي غير شي واحد فقط.. الموت.

وتدور الذكريات.. فأحن حنين الأحرار.. وأشتاق شوق الأبرار.. وأقلب طرفي لأرى ماحولي ومن حولي.. ولأشعر ثانية بتلك الغربة اللذيذة.. وأستشعر لذة المجاهدة وطول الطريق.. وغربة المبادئ.

قلوب الأحرار تضئ الطريق للسالك.. ودماؤهم مشاعل النور.. وآثارهم نجوم يهتدى بها.. وصورهم متشابهة ولو تنوع الزمان أو تغير المكان.. تشعر بهذا برغم الأسى.. وتلمسه رغم الجراح..

فمن نفس المشكاة خرجت المعاناة.. (حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله.. ألا إن نصر الله قريب). وهذا الألم بما فيه من تعب ومعاناة ففيه لذة وهو جنة الدنيا التي عرفها الصالحون.. فتمسكوا بدينهم وهان البلاء عليهم.

هكذا أخي الحبيب أعيش بعدك.. يصيبني ما يصيب البشر، ولكن روحي ليست من طينة البشر.. على الأقل هذا شعوري.. تسمو نفسي إذا ضاقت الدنيا بأهلها فأبتسم لها.. فما كنت يوماً محباً لها أو راغباً فيها.. وحين تتقذفهم الناس يثبتني مبدأ حر رضعته مع اللبن.. ويزيدني ثبات ذكركم فكأن الأرض أرضي أسير فيها حيث أشاء.. وكأن السماء سمائي تظللني وحدي من جحيم الابتلاء.

أي أخي.. هل تراني أطلت عليك ؟.. وما علينا فكم تكلمنا في الدنيا كهذا الكلام.. وكم ضحكنا ولعبنا.. وكم عملنا وبذلنا.. وكم تواصينا.. إذا لتكن صفحة ضمن صفحات وصورة ضمن صور.

انتهى كلامي.. لا ادري هل انتهى لنهايته.. أم انتهى لخجلي.. أم انتهى لخوفي.. أم…

كل الذي اعلمه أنني غريب.. والغريب ضعيف.. والضعيف قريب من الله.. وأنا أرجو قرباً من الله، وأنساً به، وشهادة في سبيله.

 

(الصورة بعدسة: ديلمان)

التصنيفات
همسات

أرواح هائمة

الأرواح التي يمكن أن نطلق عليها أرواح هائمة هي تلك التي تتجاذبها قوتين، تؤمن بأحداهما وتتأثر بالثانية. تتبنى الأولى وتنصاع للثانية، لو تجسدت المشاعر لأشياء محسوسة لأحترقت قلوبهم بصقيع الألم. يصبحون كإنسان يصرخ بلا صوت، فتتشقق حنجرته وينزف دماً في حين يراه الآخرون من بعيد ويعتقدون أنه سعيد فيلوحون له لأنهم لايسمعونه.

ننتظر المطر ليروي الأرض فتكون العاصفة التي تحرق ماتبقى من الأشجار الجافة، وهكذا تكون حياة تلك الأرواح التي تنتظر الأمل فيكون الموت فيه، النظرة بأمل للأمور تحمل صورة من اثنتين:

– أن تكون نظرة متعة همها التلذذ بما تحصل عليه، فيفاجأها الموت في فرحها. فتصرخ وهي المقبلة على الحياة. وهذه الروح المتخاذلة لاتعنينا.

– وأن تكون نظرة رجاء لتغير واقع، فتكون صدمتها بالموت لاتحمل دمعة ولا انكساراً فلا معنى ولا حرص على الحياة عندها. وهذه هي الروح الهائمة، شامخة حتى في سقوطها.

الأرواح الهائمة هي غريب يفر من مبدأ خجلاً منه وألماً، فيحن إليه ويتألم لفراقه، فتجده يحيا ألمين:

– ألم القرب من الثقل.

– وألم البعد من الشوق.

في المظهر العام قد تكون الروح الهائمة إنساناً متميزاً بكل المقاييس، ولكن نقول عنه لم يجد نفسه، أو نقول لو كنا نعرفه أكثر متذبذب، وهي ليست ضبابية في الرؤيا فلا أحد يدرك نفسه وأهدافه مثله، ولكنه الصراع بين عقل وقلب. فهو يرى في كل شي حوله مايشير لمبدئه فيقرعه سوط الواجب والنصرة، فيهرب من كل شي فيجلده سوط الحنين.

الأرواح الهائمة كقتيل ملقى في صحراء، كان كل مايحتاجه غريب يرافقه في غربته، لكن أحداً من التائهين حوله لم يكلف نفسه السفر، ولم يشد الرحال معه فينقذ نفسه ويحتوي روحاً هائمة.

لا تنتظر من الروح الهائمة أن تخضع، فلا يملكها إلا الحب، ولو عرفت أن موتها في شربة ماء لبادرتها راضية قانعة، فعندها من العلم وفيها من العناد الكثير، ستبتسم حتى وهي تلقى نفسها من قمة جبل لوادٍ مليئ بالصخور، وغاية ماستجده منها ابتسامة ثم تشيح بوجهها لتخفي وتمسح دمعة شوق لرفقاء الطريق.

(الصورة بعدسة: عبدالله البلوي)

التصنيفات
همسات

السجين

مساحة بيضاء فارغة.. أو قولي خضراء مثمرة..
هي ليست قلبي..
بل هي المكان الذي أنظر إليه من سجن نفسي..
ألتفت للخلف فأرى سواد جدران مر عليها الزمن والأحداث.. وأنظر أمامي فأجد قضباناً تأبت على الصدأ والسنون..
أقترب منها لأنظر ثانية للمساحة الخضراء..ألصق خدي الخشن بها لأتعود عليها فأنسى وجودها..
السهول تمتد بامتداد البصر.. أفكر في الجدران السوداء فينتابني الضيق.. أغمض عيني وأحاول النسيان..
لا أريد أن تقطع الجدران السوداء جمال السهول الخضراء..
يضربني البرد وتقرصني الرطوبة في ظهري لتذكرني بواقعي المر..
تهل نسمات السهل اللطيفة..
أستنشقها وأحاول أن أملأ رئتي..
تصلني رائحة رطوبة الجدران..
أشعر بالضيق والتفت في عنف وأصرخ: يكفي..
ألتفت للجدران القذرة في غضب.. وأبصق عن يساري..
أقترب من الجدار في حقد..
أمسكه بأظافري.. أشعر بها تنغرس فيه..
أتخيله لحماً فأحاول تمزيقه..
يسيل الدم منه..
أشعر بالألم يمزق أظافري..
الدم ينزف من تحتها..
أنسى آلامي وأحاول أن أكسر الجدار..
أنهار باكياً بجواره ويدي تضربه في أسى..
تصلني أصوات السهل فأقفز لأنظر إلى الأغنام وهي ترعى..
بعد قليل سيصل الرعيان..
سأحأول أن أخاطبهم هذه المرة..
توقفت كثيراً في تردد..
ولكنني هذه المرة سأفعل..
سأسألهم عن.. وانتهت خواطري عند هذا الحد..
وقعت على الأرض وظهري للباب الحديدي الموصد..
مسحت وجهي بيدي الخشنة..
وضعتها على عيني وأغمضتها..
لماذا لا أبكي؟
انتهت الدموع؟
وصلني الصوت قريباً هذه المرة..
كانت نشيداً حزيناً ذلك الذي يردده الراعي..
شعرت بتبلد أحاسيسي.. وانتهت رغبتي في البكاء..
وألقيت برأسي على أرض الغرفة الباردة.
استيقظت مساءً..
فتحت عيني وبقيت أنظر لخيوط الضوء المناسبة من النافذة الحديدية..
أصبح في الغرفة نافذتان..
وقفت في تكاسل واتجهت صوب النافذة..
نظرت للقمر..
السماء صافية..
النجوم منتشرة بشكل يحرك الأشواق..
ولكن الجدران الباردة تذكرني بوجودي هنا..
بكيت.. بكيت.. بكيت..
أمسكت القضبان الفولاذية.. كانت خرساء لا تتحرك..
ارتفع نشيجي..
كنت أبكي واصرخ..
حتى الليل يرفض ترديد صوتي..
كنت أريد الخروج من سجني بأي طريقة..
أحاول أن أمسك خيوط الضوء المرتسمة على الجدار.. علها تقودني للخارج..
أقبض على الفراغ في يأس ونحيبي يرتفع..
أحاول أن أتلمس خيوط النور..
شعرت بالوقت يمزقني..
وبدأت أصوات الليل تعاندني وترتفع وكأنها ضحكات تسخر مني..
وبين دموعي وقهقهات الليل كانت محاولاتي اللاهثة لإمساك خيوط الضياء..
الرطوبة تلهبني وكأنها تحاول تثبيطي عن عزمي..
والنسمات اللطيفة تحولت إلى سكاكين باردة تلفح أطرافي وتتوغل في عظامي..
كنت أبكي وأمد يدي في لهاث محموم..
أتذكرك وأفكر فيك..
أفكر في حياتي كلها..
أفكر في أطفالي وهو يلعبون من حولي..
وأفكر في غرقي وبعدي عنهم..
حتى دموعي كانت عقاباً يؤلمني..
ومع أول خيوط الفجر، فشلت آخر محاولاتي..

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)