التصنيفات
تربويات

بين الثورة والكفاح

7298037144_b64591a1d0_b

 حين يقوم الإنسان بتجربة جديدة يشعر بأنه أصبح خبيراً، يستعجل الثمرة ويرغب في العطاء، بحسن نية أو بسوئها المهم أنه ينطلق في كل مكان محاولاً تعليم ماتلقاه في الحياة، هذا النشاط قد يسبب ضرراً حين يقف أمام الأغزر والأعمق تجربة ليحاول تطبيق حلولٍ غير ملائمة لم يسعفه الوقت وضيق التجربة لتلقيها. قوانين الرياضيات تعلمنا المعنى التراكمي للخبرة، كلما أنهينا مرحلة من القانون واجهنا عقبات تحل بقانون إضافي، وفي الرياضيات تنتهي وجهات النظر أمام القانون، تعويضات ضرورية لتصل إلى حل صحيح، وهذه ماتفتقده التجربة الإنسانية الخاضعة لقانون النسبية.

حين ننضج ننظر إلى خبراتنا بتواضع، تكون عبارة عن قصاصات من تجارب، وننظر للكبار على أنهم خبراء، نتتبع أدائهم لنقلدهم ونتعلم منهم، نبحث عن الجديد ونحرص على الاضافات النوعية، وأحياناً نتابع حتى غير النوعي على أمل أن نجد شيئاً يستحق التأمل، ندرس التجارب الجديدة والقديمة خارج الحدود، ومالم يكن لدينا ثوابت ننطلق منها فإننا سننقل كل شيء دون تمحيص أو دراسة. لن نفكر في مدى تطابقها مع معاييرنا، مدى ملائمتها لواقعنا، وسننبهر بالخارج وننظر له بإعجاب، سنذم مجتمعنا وقيمنا، وننظر إلى صورة الطبيعة الجميلة في إطار مزخرف دون أن نشعر بالحرارة والرطوبة في المكان الذي التقطت فيه الصورة.

التجارب الجديدة تشعرك بالحماس، هتافات الثوار تدل على حرمان من التعبير مر على أجيال وأجيال، يحاول البعض أن يثبت نفسه أمام الآخرين وأنه قادر على المطالبة، وأن زمن الأولين قد انتهى وجاء زمن الشباب. العقلاء يبدئون في القيادة بمطالب واضحة، ولكن المستويات التربوية ليست واحدة، الشارع يجمع كل المستويات، وكل التخصصات، وكل الأديان، وكل الأجناس والجنسيات، فمن الطبيعي أن يظهر تفلت من هنا وهناك لايقوم على المنهجيات، بل يريد تحقيق فرصته الشخصية.

تختلف الهتافات وتبدأ المطالبات الغير منطقية، يراقبها أهل الخبرات في قلق لعلمهم أن النهايات موصدة، بل قد يكون العاقل أول من يقف أمامها لمخالفتها الفطرة والدين والعقل، وليحاول أن يوقف تداعيات أشد خطراً من الواقع الذي أراد الثورة عليه.

الكلمة تطير في الآفاق، ليس بمراد القائل، ولكن بمراد ألف سامع ينقصه العلم والتجربة، وألف فاسد له مصلحة ومصلحة، وألف مصلح يريد الحق ويُستغل لتحقيق الحق والباطل، وألف تائه سيطير مع أقوال من حوله في الايجاب والسلب. كلمة تقال سيرددها كل الأطراف، القاتل والمقتول، وذات المبادئ سينادي بها كلا الطرفين دون تمييز بين هذا وذاك.

الكفاح مختلف عن الثورة، فالصورة هنا واضحة، والرؤية واضحة، تريد حرية تؤخذ من عدو متفق عليه، ويحاربك بنفس القوة، لايوجد فرص للحوار بينك وبينه لاختلاف الثوابت، والمتغيرات كذلك. في الثورات يحاول الخائف مواجهة الطوفان بتلبية متطلباته، في الكفاح سيقف العالم مع المتضرر مالم يؤمنوا بقضية الرجال. وسيتمايز الجمهور إلى صفين.

الثورة تعني قبول مبدئي بنظام ثم الخروج عنه، الكفاح يعلن تمرد من لحظته الأولى وإصرار على التصدي، في الثورة نخرج في صف واحد لنعود في صفوف متفرقة مزقتها وجهات النظر، في الكفاح نخرج في صفوف جمعها مبدأ لنجتمع في صف واحد في النهاية.

في الثورة فرصة لظهور الغوغائية وتوقف المصالح العامة لتحل مكانها الرؤية الشخصية المقنعة بألف قناع للمصلحة العامة، في الكفاح يجتهد الناس في التنظيم المؤدي للنتيجة المطلوبة.

في الثورة يواجه الرموز بعد فترة بالتفرق، سيقال أنهم قد تغيروا، أنهم يميلون للنظام السابق، أنهم يريدون تحقيق مصلحتهم، وسيجد البعض ألف فرصة للطعن في كل نزيه خالف مايريده. في الكفاح سيشار للرجال بالتقدير والانبهار، سيكونون شهداء في نظر الكثير، لن يطعن أحد في أمانتهم مع أنهم قد يلومونهم على استعجالهم وعنادهم في مواجهة القوة.

في الثورة فورة سرعان ماتخبوا ليبقى ضررها على أطراف الزجاجة، يمتلئ المكان بسكر دبق تلتصق فيه الأيدي وتحمل من أثاره مايتلف الملابس والمكان، لن يذوق الناس حلاوته لأنه أفسد ووقع في المكان الخطأ. وفي الكفاح جهاد يقاوم العدو، بارود يزكم الأنوف ودماء تملأ الجو بعبق المسك.

 

(الصورة بعدسة: Rutger Spoelstra)

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

تعليق واحد على “بين الثورة والكفاح”

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.