التصنيفات
تربويات

ملامح

7040373779_58b794cfdf_b

من أشد مايكسر قلبي امرأة عجوز تمشي تستند على عكازها وعباءتها قد حال لونها بسبب الشمس.. يمكن أن ينقلني هذا المنظر إلى حالة نواح أو بكاء صامت، ذلك أنني أراها في مختلف مراحل حياتها، الطفلة التي يلاعبها أبوها فرحاً بها، والمراهقة التي تراها أمها فتاة بدأت تنضج وتملأ العين، والشابة التي يراقبها الرجال عشقاً أو رغبة في الاستقرار معها في ظل أسرة، والمرأة التي تربي أبنائها وتتعب معهم وتسهر في مرضهم وتأمل أن تراهم في مستقبلهم، واليوم آه من اليوم وهمومه، عباءة سوداء أصبحت بنية كأنها ألقيت في برميل نفط، تمزقت حول رأسها وانسلت خيوطها في وسطها واستهلكت من أطرافها..

وطرحة رأس أو شرشف يحمل رائحة عطر قديم لاأدري أهو رخيص أم أن موضتهم لم تعد تناسب هذا العصر فرخص ثمنه، وملامح تحكي في أخاديدها تعب سنين.

بين وجه متغضن ويد اشتدت وخشنت، أو ظهر بدأ يحدودب ومشية مثقلة تحكمها عظام ومفاصل بدأ يتسرب إليها المرض والعمر، هذه العجوز تتساقط الكلمات من فمها حين تدعوا لابن غاب عنها.. تحكي لك عن انشغاله بأسرته والهم الذي يحمله ومسئوليات الحياة.. داعية له بالتوفيق ذاكرة له بالخير والبر والصلة.. دون أن ترى أو تتجاهل أن ترى هجره لها وبعده عنها، تحمل بين ضلوعها مايكسر قلبها.. وفي عقلها مايجرح ذاكرتها ويمزقها.. وفي خطواتها المثقلة كل أثقال الماضي وأحلام المستقبل المتعثرة.

ملامح حياتنا تشيخ لنصبح طيفاً في طرف صورة مفعمة بحركة أشخاص حقيقين، كل شيء من حولنا يتغير الأسماء والأشكال، ألواننا بنية باهتة في محيط من الألوان الحيوية، قامتنا تتقزم من سنوات الحمل التي حرقتنا وألهبت ظهورنا في حقول الحياة نحرثها بأظافرنا وأسناننا لننتزع منها عرقاً نأكله ونطعم به صغارنا، ونطارد كل فرصة علها تكون طرف خيط لمنزل الاستقرار وبداية الأحلام وفرصة الغنى، ونترك في وصايانا اعتذاراً واستغفاراً عن تقصير، ورغبة في رب رحيم، وتذوي ملامحنا كما العجوز ليضمنا لحد ضم غيرنا الكثير، يبتسم لنا في صمت فهو يعرف حجم المعاناة من قصص السابقين، لاتعاطف، وتعابير، ملامح لاحياة فيها، وجدران غبار.

 

(الصورة بعدسة: Fer Montero)

Creative Commons License
كتاب آت by Abdullah Ali is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.
Permissions beyond the scope of this license may be available at www.aalsaad.com

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.